فصل: مقتل موسى بن حازم.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.بناء الحجاج مدينة واسط.

كان الحجاج ينزل أهل الشام على أهل الكوفة فضرب البعث على أهل الكوفة إلى خراسان سنة ثلاث وثمانين وعسكروا قريبا من الكوفة حتى يستتموا ورجع منهم ذات ليلة فتى حديث عهد بعرس بابنه عمه فطرق ودق الباب فلم يفتح له إلا بعد هنيهة وإذا سكران من أهل الشام فشكت إليه ابنه عمه مراودته إياها فقال لها: ائذني له فأذنت له وجاء فقتله الفتى وخرج إلى العسكر وقال: إبعثي إلى الشاميين وارفعي إليهم صاحبهم فأحضروها عند الحجاج فأخبرته فقال: صدقت! وقال للشاميين لا قود له ولا عقل فإنه قتيل الله إلى النار ثم نادى مناديه لا ينزل أحد على أحد وبعث الرواد فارتادوا له مكان واسط ووجد هناك راهبا ينظف بقعته من النجاسات فقال: ما هذه؟ قال: نجد كتبنا أنه ينشأ ههنا مسجد للعبادة فاختط الحجاج مدينة واسط هنالك وبنى المسجد هنالك وبنى المسجد في تلك البقعة.

.عزل يزيد عن خراسان.

يقال إن الحجاج وفد إلى عبد الملك ومر في طريقه براهب قيل له إن عنده علما من الحدثان فقال: هل تجدون في كتابكم ما أنتم فيه؟ قال: نعم فقال: مسمى أو موصوفا؟ قال: موصوفا قال فما تجدون صفة ملكنا؟ قال: صفته كذا قال ثم من؟ قال: آخر اسمه الوليد قال: ثم من؟ قال: آخر اسمه ثقفي قال فمن تجد بعدي قال رجل يدعى يزيد قال أتعرف صفته قال لا أعرف صفته إلا أنه يغدر غدرة فوقع في نفسي الحجاج أنه يزيد بن المهلب ووجل منه وقدم على عبد الملك ثم عاد إلى خراسان وكتب إلى عبد الملك يذم يزيد وآل المهلب وأنهم زبيرية فكتب إليه إن وفاءهم لآل الزبير يدعوهم إلى الوفاء لي فكتب إليه الحجاج يخونه غدرهم وما يقول الراهب فكتب إليه عبد الملك إنك أكثرت في يزيد فانظر من تولي مكانه فسمى له قتيبة بن مسلم فكتب له أن يوليه وكره الحجاج أن يكتبه بالعزل فاستقدمه وأمره أن يستخلف أخاه المفضل واستشار يزيد حصن بن المنذر الرقاشي فقال له: أقم واعتل وكاتب عبد الملك فإنه حسن الرأي فيك نحن أهل بيت بورك لنا في الطاعة وأنا أكره الخلاف وأخذ يتجهز وأبطأ فكتب الحجاج إلى المفضل بولاية خراسان واستلحاق يزيد فقال: إنه لا يضرك بعدي وإنما ولاك مخافة أن امثنع وخرج يزيد في ربيع سنة خمس وثمانين ثم عزل المفضل لتسعة أشهر من ولايته وولى قتيبة بن مسلم وقيل سبب عزل اليزيد أن الحجاج أذل العراق كلهم إلا آل المهلب وكان يستقدم يزيد فيعتل عليه بالعدا والحروب وقيل كتب إليه أن يغزو خوارزم فاعتذر إليه بأنها قليلة السلب شديدة الكلف ثم استقدمه بعد ذلك فقال إني أغزو خوارزم فكتب الحجاج لا تغزها فغزاها وأصاب سبيا وصالحه أهلها وانفتل في الشتاء وأصاب البرد فتدثروا بلباس الأسرى فبقوا عرايا وقتلهم المفضل ولما ولى المفضل خراسان غزا باذغيس ففتحها وأصاب مغنما وأصاب مغنما فقسمه ثم غزا شومان فغنم وقسم ما أصابه.

.مقتل موسى بن حازم.

كان عبد الله بن حازم لما قتل بني تميم بخراسان وافترقوا عليه فخرج إلى نيسابور وخاف بنو تميم على ثقله بمرو فقال لابنه موسى: اقطع نهر بلخ حتى نلتجئ إلى بعض الملوك أو إلى حصن نقيم فيه فسار موسى عن مرو في مائتين وعشرين فارسا واجتمع إليه شبه الأربعمائة وقوم من بين سليم وأتى قم فقاتله أهلها فظفر بهم وأصاب منهم مالا وقطع النهر وسأل صاحب بخارى أن يأوي إليه فأبى وخافه وبعث إليه بصلة فسار عنه وعرض نفسه على ملوك الترك فأبوا خشية منه وأتى سمرقند فأذن له ملكها طرخون ملك الصغد في المقام فأقام وبلغه قتل أبيه عبد الله بن حازم ولم يزل مقيما بسمرقند وبارز بعض أصحابه يوما بعض الصغد فقتله فأخرجه طرخون عنه فأتى كش فنزلها ولم يطق صاحبها مدافعته واستجاش عليه بطرخون فخرج موسى للقائه وقد اجتمع معه سبعمائة فارس فاقتتلوا إلى الليل ودس موسى بعض أصحابه إلى طرخون يخوفه عاقبة أمره وأن كل من يأتي خراسان يطالبه بدمه فقال: يرتحل عن كش؟ فقال له: نعم! وكف حتى ارتحل وأتى ترمذ فنزل إلى جانب حصن بها مشرف على النهر وأبى ملك ترمذ من تمليكه الحصن فأقام هنالك ولاطف الملك وتودد له وصار يتصيد معه وصنع له الملك يوما طعاما وأحضره في مائة من أصحابه ليأكلوا فلما طعموا امتنعوا من الذهاب وقال موسى هذا الحصن إما بيتي أو قبري وقاتلهم فقتل منهم عدة واستولى على الحصن وأخرج ملك ترمذ ولم يتعرض لله ولا لأصحابه ولحق به جمع من أصحاب أبيه فقوي بهم وكان يغير على ما حوله ولما ولي أمية خراسان سار لغزوه وخالفه بكير كما تقدم ثم بعث إليه بعد صلحه مع بكير الجيوش مع رجل من خزاعة وحاصروه وعاود ملك ترمذ إستنصاره بالترك في جمع كثير ونزلوا عليه من جانب آخر وكان يقاتل العرب أول النهار والترك آخره ثلاثة أشهر ثم بيت الترك ليلة فهزمهم وحوى عسكرهم بما فيه من المال والسلاح ولم يهلك من أصحابه إلا ستة عشر رجلا وأصبح الخزاعي والعرب وقد خافوا مثلها وإذا عمر بن خالد بن حصين الكلابي على موسى بن حازم وكان صاحبه فقال: إنا لانظفر إلا بمكيدة فاضربني وخلني فضربه خمسين سوطا فلحق بالخزاعي وقال: إن ابن حازم اتهمني بعصبيتكم وأني عين لكم فأمنه الخزاعي وأقام عنده ودخل عليه يوما وهو خال فقال له: لا ينبغي أن تكون بغير سلاح فرفع طرف فراشه وأراه سيفا منتضى تحته فضربه عمر حتى قتله ولحق بموسى وتفرق الجيش واستأمن بعضهم موسى ولما ولي المهلب على خراسان قال لبنيه: إياكم وموسى فإنه إن مات جاء على خراسان أمير من قيس ثم لحق به حريث وثابت ابنا قطنة الخزاعي فكانا معه ولما ولي يزيد أخذ أموالهما وحرمهما وقتل أخاهما للأم الحرث بن معقد فسار ثابت إلى طرخون صريخا وكان محببا إلى الترك فغضب له طرخون وجمع له نيزك وملك الصغد وأهل بخارى والصاغان فقدموا ثابت إلى موسى وقد اجتمع عليه فل عبد الرحمن بن عباس من هراة وفل ابن الأشعث من العراق ومن كابل فكان معه نحو ثمانية آلاف فقال له ثابت وحريث: سر بنا فب هذا العسكر مع الترك فنخرج يزيد من خراسان ونوليك فحذر موسى أن يغلباه على خراسان ونصحه بعض أصحابه في ذلك فقال لهما: إن أخرجنا يزيد قدم عامل المدينة عبد الملك ولكنا نخرج عمال يزيد من وراء النهر ويكون لنا فأخرجوهم وانصرف طرخون والترك وقوي أمر العرب بترمذ وجبوا الأموال واستبد ثابت وحريث على موسى وأغراه أصحابه بهما فهم بقتلهما وإذا بجموع العجم قد خرجت إليهم من الهياطلة والتبت والترك فخرج موسى فيمن معه للقتال ووقف ملك الترك على ما قيل في عشرة آلاف فحمل عليهم حريث بن قطنة حتى أزالهم عن موضعهم وأصيب بسهم في وجهه وتحاجزوا ثم بيتهم موسى فانهزموا وقتل من الترك خلق كثير ومات منهم قليل ومات حريث بعد يومين ورجع موسى بالظفر والغنيمة وقال له أصحابه: قد كفينا أمر حريث فاكفنا أمر ثابت فأبى وبلغ ثابتا بعض ما كانوا يخوضون فيه ودس محمد بن عبد الله الخزاعي عليهم على أنه من سبي الباسيان ولا يحسن العربية فاتصل بموسى وكان ينقل إلى ثابت خبر أصحابه فقام لهم ليلة: قد أكثرتم علي فعلى أي وجه تقتلونه ولا أغدر به؟ فقال له أخوه نوح: إذا أتاك غدا عد لنا به إلى بعض الدور فقتلناه قبل أن يصل إليك فقال والله: إنه لهلاككم وجاء الغلام إلى ثابت بالخبر فخرج من ليلته في عشرين فارسا وأصبحوا ففقدوه وفقدوا الغلام فعلموا أنه كان عينا ونزل ثابت بحشور واجتمع إليه خلق كثير من العرب والعجم وسار إليه موسى وقاتله فحصر ثابتا بالمدينة وأتاه طرخون مددا فرجع موسى إلى ترمذ ثم اجتمع ثابت وطرخون وأهل بخارى ونسف وأهل كش في ثمانين ألفا فحاصروا موسى بترمذ حتى جهد أصحابه وقال يزيد بن هذيل والله لأقتلن ثابتا أو أموت فاستأمن إليه وحذره بعض أصحابه منه فأخذ إبنيه قدامة والضحاك رهنا وأقام يزيد يتلمس غرة ثابت ومات ابن الزياد والقصير والخزاعي فخرج إليه ثابت يعزيه بغير سلاح فضربه يزيد على رأسه وهرب وأخذ طرخون قدامة والضحاك إبني يزيد فقتلهما وهلك ثابت لسبعة أيام وقام مكانه من أصحابه ظهير وضعف أمرهم وبيتهم موسى ليلا في ثلثمائة فبعث إليه طرخون كف أصحابك فإنا نرحل الغداة فرجع وارتحل طرخون والعجم جميعا ولما ولي المفضل خراسان بعث عثمان بن مسعود في جيش إلى موسى بن حازم وكتب إلى مدرك بن المهلب في بلخ بالمسير معه فعبرالنهر في خمسة عشر ألفا وكتب إلى رتبيل وإلى طرخون أن يكونوا مع عثمان فحاصروا موسى بن حازم فضيقوا عليه شهرين وقد خندق عثمان على معسكره حذر البيات فقال موسى لأصحابه: اخرجوا بنا مستميتين واقصدوا الترك فخرجوا وخلف النضر ابن أخيه سليمان في المدينة وقال له: إن أنا قتلت فملك المدينة لمدرك بن المهلب دون عثمان وجعل ثلث أصحابه بإزاء عثمان وقال لا تقاتلوه إلا إن قاتلكم وقصد طرخون وأصحابه وصدقوهم القتال فانهزم طرخون وأخذوا وحجزت الترك والصغد بينهم وبين الحصن فقاتلهم فعقروا فرسه وأردفه مولى له فبصر به عثمان حين وثب فعرفه فقصده وعقروا به الفرس وقتلوه وقتل خلق كثير من العرب وتولى قتل موسى واصل العنبري ونادى منادي عثمان بكف القتل وبالأسر وبعث النضر بن سليمان إلى مدرك بن المهلب فسلم إليه مدينة ترمذ وسلمها مدرك إلى عثمان وكتب المفضل إلى الحجاج بقتل موسى فلم يسره لأنه من قيس وكان قتل موسى سنة خمس وثمانين لخمس عشرة سنة من تغلبه على ترمذ.